- أ.دعاء عيد
- 2024-09-12
- 4:34 م
كثيراً ما يُريد المرء أن يُقدم على أمرٍ مَّا لكنه لم يفعل ! تُرى ما الذي أقعده؟!
هل هو الخوف من الفشل أم ماذا ؟
لعله كذلك، فنحن قد نَعقِد في أذهاننا فكرةً عن إنسانٍ لم نعرفه حق المعرفة، أو موقف لم نمر به وتجربة لم نخضها، فإذا كان هذا المعتقد المسبق غير صحيح، فمن هنا إذا ستبدأ المُعاناة، فعندما يَسري في خلاياك كالسُمّ القاتل ليكبر معناه فيك شيئاً فشيئاً كالسد يحجب منافذ النور عن الروح .
أو تعكر رواسبه الكريهة صفو الحياة ونحن لا ندري .
ولنبدأ بالحديث عن البشر حين تظن أن الواقف أمامك إما أنه يحمل لك الضغينة والحقد لأنك أفضل منه أو أنه متكبر مغرور يرى نفسه أفضل منك، وقد يسترسل العقل في تلك الافتراضات ولا يتوقف حتى يتمكن سوء الظن منك وذلك قبل أن تتحقق من مدى صحته، فضلاً عن أنك قد لا تفعل وتظل في غفلة عنه، والسؤال الذي يَجُرُّه إليك القلم؛ هل أنتَ مُدرك لتلك الفعلة من أثر ؟
وأنك أول من يَحترق بنار تلك المشاعر، وقد تندم كثيراً لأنك فقدت قلوباً لم تبذل جهداً لتعرفهم على وجه الحقيقة، ولولا رأسك وما حوى ربما وجدت فيهم صديقاً مخلصاً او حبيباً مقرباً ، صدقني إن الأمر يستحق المراجعة.
وهنا سأتركك تفكر قليلا ؛ لعلك تتذكر قول الله تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ “(الآية ١٢ سورة الحجرات)
وحين سُئل المصطفىﷺ عن أيّ الناس أفضل؟قال: كل مخموم القلب صدوق اللسان، قالوا صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟قال: هو التقي النقي لا إثم عليه ولا بغي ولا غل ولا حسد .
وكان سيدنا عمر رضي الله عنه يقول : “لست بالخِبْ ولا الخبُ يَخدعني”
فالتمس لأخيك من عذر إلى سبعين عذراً فإن لم تجد فقل لعل له عذراً لا أعرفه.
أوقف خاطر السوء في صدرك ولا تسرح مع شيطانك ولننتقل إلى الأمر الآخر، وهو ماذا ستفعل حين تنوي القيام بجديد ؟
وتخرج من دائرة الإعتيادية فيما يخص العمل أو الدراسة أو أي خطوة نحو التغيير، أظنك ستفكر أولاً ثم تسأل أحدهم ممن تزعم أنه يصدقك القول والنصيحة، لكنك قد تجده يصدك عن أمرك بعبارات مثل ما وجه الاستفادة أو لو كان خيراً لسبقوك إليه إلخ …
ثم تتركه وتذهب لمن خاض التجربة، و قام بها لمآرب في نفسه و لكنه لم يظفر بما أراد ؛ فعاد ساخطاً على ماضيع فيها من وقت وجهد؛ لتعود من عنده محملاً بتأنيب الضمير ولوم النفس لمجرد أنها فكرت في عمل كهذا ..
ويأتي الخيار الثالث وهو أن تستشير داعماً وإن لم يعاين ماتطلب، لكنه ذا بصيرة وحكمة يحسن السعي، ومثل هذا الصنف من الناس لا غنى لك عنهم، وإن لم تجده فاصنعه في نفسك، وبعدما مررنا على هؤلاء جميعا فأنت خاسر حتماً إذا استمعت للأول والثاني، وإن أبصرت الثالث فاستمتع بتجربة ذات مذاق مختلف، واحذر من السُم الذي تغرسه بفكرك في حياتك ، ولعلنا فعلنا ذلك بأنفسنا مراراً ونحن لا ندري، أو قابلنا كثيراً ممن حبسوا أنفسهم في قلعة من القناعات الخاطئة والتصورات المسبقة الفاسدة وقد عانوا من وراء ذلك مايصعب وصفه ..
أما الآن فكل ما عليك فعله حين تخطو خطوة للأمام أن تستعين بالله ولاتعجز عاملاً بقوله تعالى:
“فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ “(الآية ١٥٩ سورة آل عمران)
وردد دعاء النبي ﷺ “اللهم إني أسألك الثبات في الأمر و العزيمة على الرشد “
وكما قيل في الشعر :إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمةفإن فساد الرأي أن تتردد
ويطيب لي قول الكواكبي-رحمه الله – في( كتابه طبائع الاستبداد )حين تحدث عن خلق الله للإنسان فقال:
“خلقه ليشكره علي جعله عنصراً حياً بعد أن كان تراباً و ليلجأ إليه عند الفزع تثبيتها للجنان و ليستند إليه عند العزم دفعا للتردد”
وبعد ما ذكرناه آنفاً ماذا عسانا نفعل يا صديق، وقبل أن نقوم من مقامنا هذا علينا أن نحارب ذلك العدو فينا، ونقوّم هذا الاعوجاج حتى لا نؤذي أنفسنا ومن حولنا إذ نسلبهم جمال ما فيهم لسوء ما فينا، ومن نحن حتى نصدر الأحكام، فهل كُشفت لنا الحُجب لنرى بواطن الأمور قبل ظاهرها. ..!
وعلينا أيضاً أن نتحرك في مساحات خضراء جديدة؛ لنكتشف مافيها من ثراء وإن واجهتنا عقبات فلنستمتع بالتحديات وما لذة العيش إلا بخوض التجارب و إدخار الخبرات على اختلافها مادامت لا تُغضب الله رب العالمين الذي أمرنا بحسن الظن ،فلا تطفئ المصابيح من حولك ثم تَسُب الظلام وتشتكي من برودة الوحدة وقسوة الآخرين .
#أشرقوا
سلسلة : #على_هامش_البصيرة
(2) #سوء_المعتقد_سُمٌ_قاتل